التخطي إلى المحتوى الرئيسي

#الثقة معنى ومضمون

الثقة معنى ومضمون
من قراءات الدكتور محمد القصاص

لأننا نعيش في خضم عالم تجتاحه المتغيرات بشتى جوانبه وبتسارع عجيب ، ونحن بحالتنا من الضعف ، لا يمكننا اعتراضه أو ملامسة وقائعه وقد لا نهتدي إلى صمام الأمان في معظم الأحيان ، لكي نتصرف بما يجعلنا قادرين على مواجهة التحديات والصعاب .
وقد نعيش حياتنا كأننا نعتلي سفينة تفتقر لأبسط قواعد الأمن والسلامة في عرض محيط هائج ، ، فهي تعلو بنا وتهبط ، وتتقاذفها الأمواج يمنة ويسرة ، بحيث يصل بنا الأمر في كثير من الأوقات ، إلى عدم الاطمئنان على المستقبل أو التيقن من وصول سفينتنا إلى الوجهة المطلوبة بسلام .
وقد يساورنا الخوف والهلع في كثير من الأوقات على مستقبلنا وعلى حياتنا ، ولا ندري إن كانت وجهتنا محتومة إلى قاع المحيط ، لنصبح بين عشية وضحاها وجبات شهية لحيتانه وأسماك القرش القرش فيه .
إذن ستكون المسألة في كل أحوالها هي عدم وجود ما يعطينا الأمان ، بحيث نفقد الأمل بكل شيء يمكن أن نعتمد عليه أو نسلمه قيادنا ، وبهذا تتحول أزماتنا إلى أزمة ثقة ، وانعدام الثقة في هذه الحالة لا يقتصر على جانب واحد من جوانبها المتعددة ، بل يمكن أن تتعدى ذلك ، إلى أن يصبح انعدام الثقة بالنفس أولا وبالآخرين ثانيا .
وبعد بحث شديد ، وجدت أن أهم شيء يمكن أن نعززه في نفوسنا ، هو أن نثق بأنفسنا ثقة مبنية على قناعة صادقة منا بأن ما نقوم به هو الصواب .
راجعت بعض القراءات التي مررت عليها من مصادر مختلفة ، وخلصت إلى ما يلي : -
أولا : كيف تثق بنفسك ؟
يعاني الكثير من الأشخاص من مشاكل بالثقة بالآخرين، إذ يمكن القول أن انعدام الثقة يغلف معظم علاقاتنا الاجتماعية، والأمر هو أنه إن أراد الشخص أن يثق بالآخرين عليه أن يكتسب الثقة بنفسه أولاً، فكم من مرة وعدنا أنفسنا بالقيام بأمر ما مثل عدم تعريض أنفسنا للخطر النفسي أو الجسدي، أو معاملة أنفسنا بلطف ، أو شراء حاجة لطالما رغبنا بها وتمنيناها ، بل وإذا أردنا التقرب إلى الله أكثر ، نفكر بالدعاء ، لكننا مع يقيننا بهذا العمل ، لكننا لم نقم بذلك؟ عند تخاذلنا عن القيام بالأمر الذي نعد أنفسنا به يفقد (الطفل الداخلي) لكل منا الثقة ، وكأننا هنا نَعدُ طفلا بأن نعطيه هدية إن أحسن التصرف في أمر من الأمور ، ولكننا وفي كل مرة لا ننفذ الوعد الذي قطعناه ، ولا نعطيه شيئا ، فيفقد الثقة بنا ولم يعد ليصدقنا بعد ذلك ،  وعند فقدان الطفل الداخلي لكل منا الثقة بالنفس سيبرمج ذات الشعور على الآخرين ويجد صعوبة في إعطائهم الثقة.
قد يكون السبب الرئيسي لانعدام الثقة بالنفس وبالقرارات الداخلية نابعاً من التربية الخاطئة، فنادراً ما يستمع الأهل إلى قرارات وآراء أطفالهم ويأخذون بها، فمثلاً عندما يقول الطفل أنه لا يريد أن يقبل عمه الفلاني لأنه يجده مخيفاً فتُغصبُه الأم أو الأب على تقبيله متجاهلين رأيه الداخلي وفارضين رأي الكبار بالسن، ليتعلم الطفل أنه لا يجب أن يستمع للصوت الداخلي الذي يرشده إلى التصرف في الأمور بل يجب أن يستمع إلى من هم أكبر منه، وقد تتفاقم المشكلة وتلازم الطفل حتى عند كبره ليتجاهل على الدوام الصوت الداخلي لنفسه ويستمع إلى الآخرين، والحل هو بأن يحاول الشخص بقدر المستطاع أن يستمع لذلك الصوت ويتبعه ليكتسب الثقة بنفسه من جديد.
كيف تثق بالآخرين ؟
 لا يرغب أي أحد منا بالعيش في قوقعة منعزلاً عن الآخرين، وهو الأمر الذي يقوم به من فقد ثقته بالآخرين ، سواء أكان بسبب تجربة سيئة مر بها في طفولته أو في الماضي القريب ، ويمكن التخلص من هذه المشكلة واكتساب الثقة مجدداً بإتباع الخطوات التالية:-
من الطبيعي فقدان الثقة بعد المرور بصدمة :
من الضروري أن يدرك الشخص أنه من الطبيعي أن تنعدم ثقته بالآخرين بعد مروره بصدمه صعبة ، وذلك لأن طبيعة الإنسان وغرائزه دفاعية وتضعف مخافة الوقوع في صدمة مؤلمة أخرى في المستقبل ، ولاعتقاده بأن عدم ثقته مجدداً بالآخرين يحميه من الألم، ولذا لا يجب أن يلوم الشخص نفسه لعدم ثقته بالآخرين، بل يجب أن يحدد سبب المشكلة الرئيسي ويحاول حلها.
عدم تعميم تصرف شخص ما على الآخرين :
من الضروري كذلك عدم تعميم تصرف شخص ما على الآخرين وذلك لأن الأشخاص مختلفين بطبائعهم فمنهم السلبي ومنهم اللئيم ومنهم من لا يستحق الثقة ، بينما يوجد أشخاص آخرين ظرفاء ورائعين ، ويستحقون الثقة عن جدارة ، ولذا لا يجوز أن يسمح الناس لتجربة ما  أو شخص سيئ واحد أن يدمر مقدرته على الثقة بالآخرين .
حسن الظن بالآخرين :
عندما يتعرض الإنسان لموقف تُخان به الثقة يفكر لا إرادياً بسوء الظن بالطرف الآخر ويشكك بأخلاقه ونواياه، ولكن عليه بدلاً من ذلك أن يفهم أن هذا الطرف هو إنسان والإنسان خطّاء بطبيعته ، وكما قالت الدكتورة النفسية جينيفر جنتايل بأنه يجب التذكر أن معظم الأشخاص جيدون ويتمنون الخير للآخرين ، وحتى هؤلاء الأشخاص الجيدين يرتكبون الأخطاء ويخونون الثقة أحياناً والتي يمكن أن ترجع لتكتسب عند الوعي العاطفي وعند الرغبة بالتعلم من الأخطاء.
لقد مررت أنا شخصيا بحقيقة كانت عبارة عن صراع كبير بيني وبين نفسي ، حيث قادتني الصدفة ، بأن أمر من جوار رجلٍ من رجال الدين قبل أشهر ، وأنا أعبر بسيارتي الشارع الرئيسي من إحدى القرى الصغيرة وبمحاذاة بيته ، حيث كان يرتدي عمة رجال الدين المسلمين ، فأومأت بيدي لأحيي ذلك الرجل ، إلا أنه لم يلتفت إليَ ولم يرد تحيتي ، وتكررت العملية مرة ثانية وثالثة ، وكان في كل مرة ، يتجاهل كل ما أقوم به ، عندها دار الحديث ما بيني وبين نفسي ، وحكمت على هذا الرجل بالكبرياء والعظمة والجهل بالرغم من أنه رجل دين عالم ومتمكن .
قادتني الصدف أيضا في بداية شهر حزيران وفي أحد أيام الجمع للصلاة في مسجد من المساجد التي كنت أعتاد الذهاب إليها بحثا عن الفائدة كعادتي ، ففوجئت بأن ذلك الرجل هو من سيؤمنا ، لكني لم أتحقق منه ، وبعد مضي أربع جمع وحسب برنامج مديرية الأوقاف تم نقل الإمام إلى مسجد آخر لم أعرفه ، حيث صليت في الجمعة الأولى من شهر تموز ، في المسجد نفسه ، فوجدت إماما آخر ، وبعد أن انفضت صلاة الجمعة ، ذهبت إلى المؤذن ، وسألته عن الأمام السابق فقال لي بأنه بحسب برنامج الأئمة ، تم تكليفه للإمامة في مسجد آخر لكنه لا يعلم أين .
سألته عن اسمه ، فقال لي إنه الدكتور (.........) وهو من سكان بلدة (.....) عندها قادتني الذاكرة إلى ما كان بذهني من معلومات قديمة ، سألت عن رقم هاتفه ، وبعد التكلم معه  أخبرني بأنه هذه المرة يؤم الناس في بلده الذي يسكنها ، لا تفصله عن بيته سوى مسافة بسيطة ، ولم أدع الفرصة تفوتني ، حيث لم أتأخر عن صلاة الجمعة في المسجد الذي هو فيه ، وفعلا عندما دخلت عرفته على نفسي ، فقام والله بكل احترام وسلم عليَّ على مرأى من الناس وصافحني وقبلني ، وعندما انفضت الصلاة ، دعاني لحضور حفلة زفاف ولده في عمان ، ولأني لم أكن مستعدا لذلك اعتذرت منه ، وذهب كل منا بحال سبيله .
المهم أن هذا الإمام ، ما كان رجلا عاديا ، بل عالما فذا ، موسوعة علمية ، قامة إسلامية شامخة ، رائع في أسلوبه ، متمكن في خطابته ، كيف لا ، وهو يحمل شهادة الدكتوراة  ، وفوق كل هذا كان متواضعا إلى أبعد حد ممكن .
اليوم وبعد أن أصبحنا أصدقاء ، ماذا يمكنني أن أقول عنه ؟ وكيف لي أن أغير المفهوم القديم بهذه البساطة ، لكني قررت أن لا أحكم على الآخرين من النظرة الأولى ، أو من على بعد ، بل عليَّ أن أتروى وأتريث في حكمي على الآخرين ، إلى أن أصل إلى الحقيقة التي لا مراء فيها .
والله ولينا في الدنيا وفي الآخرة ,,,,,

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طاب النسك

 طابَ النّسكُ وللقيامِ عزيمةٌ،  الخيطُ الأبيضُ مسكُه. ولقدومِ اللَّيلِ تترطَّبُ شفاهُ الدُّعاءِ بانَّ النِّصفَ لشطرِه الثَّاني، والعيدُ على مضاربِ التَّتمَّة. العراق: نعمه العزاوي.

ياأمة بدر

 يا أمة بدر متی النصر...؟ هذا محرم و سيحل صفر طال...ليلک يا أمتي متی الفجر... ؟ يا أمة اقرأ يا أمة القلم نفد المداد يا أمتي و جف الحبر... مصطفی زعبوب

ظمأ القلوب

 أسعد الله أوقاتكم بكل خير حياكم الله... من قصيدتي... ...ظمأ القلوب...  يافاتنَ الأرواحِ أطِف علينا بالأقداحِ...                           واسقِنا من خمورِ اللمى لذيذ الراحِ... يافاتنَ الأرواحِ هات الأحاديث عن                                   مريمٍ                              إنَّ أحاديث الهوى تجودُ بالإنشراحِ... هلهلتُ بذكرِ الحبيب وقلبي مُدنِفٌ...                            والحبيبُ مُنشغِلٌ مابينَ لَهوٍ ومزاحِ... يميسُ أدعج العينينِ في كعبةِ الحُسنِ...                            يَصّبُ الفُتاتَ باقات نرجسٍ بالأرداحِ... مازِلتُ أخلع في الليالي مَاذي خموركِ...                       حتى بدتْ ظبيتي تَهرعُ مُنقبةً بالوشاحِ... قهوةٌ في الكأسِ والعَطّار سَاقيها...                     شَربناها عقيقاً فأثملتْ بالعِشقِ كُل صاحِ... و مُنمنماتٍ أقبلنَ من هِيتٍ يتمايلنَ...                   كأميسٍ أهيَفٍ يَختالُ في روضةِ الصباحِ... ومريم بزغتْ كالمها في روابيها...                     تُبدي أسبابَ الهوى مابينَ سِّرٍ وإفصاحِ... فائِحة العبير بدرتْ في إحجَامِها...                     تمزجُ فرط ال