التخطي إلى المحتوى الرئيسي

#الشبح

الشبح

تركني ابي قبل ولادتي بعدما انفصل عن امي مصطحب اخي و لم يكن يعلم بحمل امي بي و لا حتي امي لم تعلم بهذا الا بعد رحيله عنها و عندما علمت بحملها بحثت عنه كثيراً لتخبره لكن دون جدوي فلقد ترك القرية بكاملها و سافر بعيداً

لم تستطع امي رعايتي وحدها فتزوجت ثم بعد ذلك تركنا القريه التي ولدت فيها و انا عمري لا يتجاوز الثماني سنوات بعدما جاءت فرصة عمل مناسبة لزوج أمي بالمدينة .

مرت الأيام و السنيين دون أخبار عن ابي و اخي تزوجت خلالها  ابن صديقة أمي الوحيدة بالقرية التي كنا نعيش فيها و تركت امي و عدت لقرتي مرة أخري و انجبت اولادي

و في ذات صباح و انا اقف باكراً في مطبخي كعادتي لأعد الفطور لزوجي قبل ذهابه للعمل و لأولادي قبل ذهابهم للمدرستهم لاحظت ان شخصاً ما يراقبني فألتفت اليه و اتجهت نحو النافذه و لكني لما فعلت ذلك اختبئ سريعاً
فصحت بصوت عالي من؟! من؟ّ!
فمضي مسرعاً فأسرعت نحو باب المنزل افتحه انظر  لكنه كان قد أختفي

لم أخبر زوجي بما حدث حتي لا ينتابه القلق علي الا ان ذلك تكرر مراراً لكن بصفة غير منتظمة الي ان قررت ان أمسك بذلك المتلصص و أعرف سبب فعلته العجيبة هذه
فأخبرت زوجي بما حدث و فكرنا سوياً من يكون هذا ؟ و لماذا يفعل ذلك ؟
و بدأنا نفكر في كيفية الأمساك به مع صعوبة ذلك لأنه يفعله بشكل غير منتظم و في أيام و مواعيد مختلفه
فقررنا اني عندما اراه في اي وقت يأتي فيه ان اخبر زوجي فوراً فيسرع اليه و يمسك به و اخبرني زوجي انه من الأفضل الا اشعره اني رأيته ان استطعت فعل ذلك و لكن لنتمكن من فعل ذلك كان علي زوجي ان يكون موجود في المنزل طيلة الوقت خصوصاً ان اغلب زيارات ذلك المتطفل خلال وجود زوجي خارج المنزل و لكي يستطيع زوجي التواجد طيلة الوقت كان عليه ان يأخذ اجازة من عمله

و بالفعل أخذ زوجي اجازة اسبوع كامل من العمل و ظللننا ننتظر قدومه لكنه مر اليوم الأول و الثاني و الثالث الي اليوم الأخير من الأجازة و لم يأتي ذلك المتطفل و كأنه كان يعلم بخطتنا تضايقنا لذلك و خصوصاً زوجي الذي بدأ يلومني و يتهمني بانها كانت تهيؤات تخليتها و ليس لها نصيب من الحقيقة

في صباح اليوم الأول بعد انتهاء الأجازة ذهب زوجي الي عمله و لم يمضي الكثير من الوقت حتي تفاجئت مرة اخري بعيون تراقبني انه هو ذلك الرجل و كأنه يعرف ان زوجي عاد ثانية الي عمله و شعرت انه يعيش بيننا و يعرف كل شئ عنا فأنتابني القلق و لم ادر وجهي نحوه تلك المره كعادتي من شدة خوفي فلم يلاحظ اني رأيته فظل واقفاً يراقبني
ثم فجأه سمعت ضجيج و صوت زوجي بالخارج الذي نسي شئ ما فعاد ليأخذه فألتفت منزعجة فرأيت زوجي يمسك بذلك الرجل محاولاً تكتيف يديه خلف ظهره ففعل ذلك بأدني مقاومة منه و كأنه يقوم بوثاق طفل صغير
ثم ادخله الي المنزل فأسرعت اليهما انظر الي ذلك المتطفل الذي كاد ان يفقدني عقلي في الأيام الأخيره

فنظرت اليه ملياً فاذ به رجل انيق يرتدي بدلة باهظة الثمن و نظارة طبيه و يبدو عليه الوقار الشديد فزادت دهشتي و تعجبي من افعاله و نظر الي زوجي و كانت نظرات عينيه تشير انه يفكر فيما افكر فيه و تعتليه الدهشة مثلي
فكنت قد ظننت ان من يفعل ذلك سيكون علي الأرجح رجل مختل او مضطرب عقلياً او جائع او لص يبحث عن شئ ليسرقه

بدأ زوجي يسأله من انت؟ و لما تفعل ذلك ؟ فلم يجيب بأي كلمة
فأعاد عليه زوجي نفس الاسئله و هو ينظر الي و كأنه يعرفني منذ زمن و يشتاق الي فكاد الأدرينالين المرتفع في دمائي ان تقتلني من هول ما اري
و هو لا ينطق بكلمة و لا يفعل شئ سوي انه ينظر الي فأثار ذلك غضب زوجي بشدة و هم ان يضربه لكني منعته عن فعل ذلك و قلت له ان يتصل برجال الشرطه و نخبرهم بما فعل و هم يتولون أمره

هنا نطق الرجل بصوت عالي : لا لا لا داعي لذلك سأخبركما بكل شئ
قصتي هي اقرب الي الخيال منها الي الواقع لكن ما سأقوله لكما هي الحقيقة كنت أعيش هنا في تلك القرية منذ حوالي الاربع وعشرين عام انا و امي و ابي الي ان ارادا الأنفصال عن بعضهما و لم يريد ابي ان يعيش في تلك القرية مرة أخري بعدما انفصل عن زوجته خصوصاً انه كان يحبها حباً شديداً فسافر بي الي بلاد بعيدة و يسر الله لأبي العمل بالتجارة و ربح حتي سار ثرياً و لكنه لم يتزوج بعدما رحل عن أمي و عشت حياة رغدة و درست في أرقي المدارس الا انني لم انسي أمي ابداً منذ ان فارقتها و انا صغير لكن ابي اخبرني انها توفت و كان يرفض حتي اني ازور تلك القرية حتي لزيارة قبر أمي

مرت الشهور و السنيين حتي تخرجت من كليتي و صرت استاذ بالجامعه و لا زلت لم انسي أمي و احن اليها و اراها حتي في منامي و كأني لم اصدق ابي و اشعر انها لا تزال علي قيد الحياة
و كنت انوي حين استطيع ان احصل علي المال الكافي من عملي سوف اعود لزيارة القرية لأري أمي او لزيارة قبرها
في خلال ذلك توفي ابي فكان علي فعل ما هممت علي فعله دون عائق يمنعني فجاءت الي القرية و انا اتمني ان اجد امي علي قيد الحياة و لكنني عرفت انها توفيت منذ فترة بسيطة فحزنت حزناً شديداً مرتين لوفاتها و لأان أبي حرمني منها و هي لا تزال علي قيد الحياة بأدعائه انها ماتت و انهمرت عيني بالبكاء و كأني لم ابكي من قبل و كأن الدموع كانت تريد ان تصرخ و تخرج كل تلك السنوات التي حبستها و انا حزين علي فراق أمي

و هممت ان اترك هذه البلده مرة أخري دون رجعي محاولاً ان انسي قسوتها علي فلقد تركتها المرة الأولي و انا ابكي علي فراق أمي و ها انا اتركها ثانية حزنا علي فراقها مرة أخري
و لكني نويت ان ازور قبر امي اولاً و فكرت ان التقط صورة لقبرها اضعه في حجرة نومي استيقظ لأراه امامي و انام و انا انظر اليها بعدما حرمني ابي حتي من رؤية صورة لها و في طريقي اشتمت انفي رائحة الملوخية التي كانت تصنعها لي أمي و بالطريقة التي كنت أحبها فتظرت الي نافذة مطبخك و كأني أري أمي و انا صغير من عبر النافذه و هي تطهو لي طعامي و تدعوني اترك اللعب وأتناوله ساخناً
فتسمرت قدمي دون ان أشعر و عاد بي العمر الي صباي و كأني انتظرك ان تناديني لأتناول الطعام و حين نظرتي الي ارتبكت و أفقت من شرودي و أختبئت ثم ذهبت مسرعاً في طريقي

لكن شعرت انني يشدني الي وجهك حنين لا أعرف سببه فربما تشبهين امي كثيراً التي لا زلت اتذكر نظرتها الي و ابتسامتها و حتي غضبها مني
فسألت عن صاحب ذلك المنزل و من تكون زوجته فعرفت من اسمكي انكي اختي فعدلت عن قفكرة سفري الآن و كنت اجئ بين الحين و الآخر أحاول ان اطرق باب منزلكم لأخبرك الحقيقة لكن شئ ما بداخلي كان يمنعني فربما كنت اشعر انكي ستشعرين بشئ من السخط تجاهي لعدم السؤال عنكم كل تلك السنيين و لكني لم اعرف باني لي اخت و قد مات ابي و لم يكن يعرف ذلك ايضاً

بعدما انتهي اخي من حديثه و قدم لزوجي بطاقتة الشخصية و ما يثبت صحة روايته كنت انا و زوجي في حالة زهول وسط بكائنا و بكاء اخي و ما شعرت بنفسي و انا ارتمي الي احضان اخي و كأنها الجاذبية بين الأخوة التي جذبته الي سابقاً قبل ان يعرفني.

اشتقت الي أمي حتي كاد الشوق يحرقني
اثر حرمان من سعد عمر سار رغم أنفي

أعيش رغد دون حياة من فرط ألمي 
علي فراق زهرة قلبي و بسمة سني

لكن ربي أرحم بي من التي أنجبتني
ورزقني بأخري من أبي بعطف امي

هدية أكون لها سند و تكون فرحي
وحضن دافئ في عصف و بردي

بقلم هاني عبد الرحمن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طاب النسك

 طابَ النّسكُ وللقيامِ عزيمةٌ،  الخيطُ الأبيضُ مسكُه. ولقدومِ اللَّيلِ تترطَّبُ شفاهُ الدُّعاءِ بانَّ النِّصفَ لشطرِه الثَّاني، والعيدُ على مضاربِ التَّتمَّة. العراق: نعمه العزاوي.

ياأمة بدر

 يا أمة بدر متی النصر...؟ هذا محرم و سيحل صفر طال...ليلک يا أمتي متی الفجر... ؟ يا أمة اقرأ يا أمة القلم نفد المداد يا أمتي و جف الحبر... مصطفی زعبوب

ظمأ القلوب

 أسعد الله أوقاتكم بكل خير حياكم الله... من قصيدتي... ...ظمأ القلوب...  يافاتنَ الأرواحِ أطِف علينا بالأقداحِ...                           واسقِنا من خمورِ اللمى لذيذ الراحِ... يافاتنَ الأرواحِ هات الأحاديث عن                                   مريمٍ                              إنَّ أحاديث الهوى تجودُ بالإنشراحِ... هلهلتُ بذكرِ الحبيب وقلبي مُدنِفٌ...                            والحبيبُ مُنشغِلٌ مابينَ لَهوٍ ومزاحِ... يميسُ أدعج العينينِ في كعبةِ الحُسنِ...                            يَصّبُ الفُتاتَ باقات نرجسٍ بالأرداحِ... مازِلتُ أخلع في الليالي مَاذي خموركِ...                       حتى بدتْ ظبيتي تَهرعُ مُنقبةً بالوشاحِ... قهوةٌ في الكأسِ والعَطّار سَاقيها...                     شَربناها عقيقاً فأثملتْ بالعِشقِ كُل صاحِ... و مُنمنماتٍ أقبلنَ من هِيتٍ يتمايلنَ...                   كأميسٍ أهيَفٍ يَختالُ في روضةِ الصباحِ... ومريم بزغتْ كالمها في روابيها...                     تُبدي أسبابَ الهوى مابينَ سِّرٍ وإفصاحِ... فائِحة العبير بدرتْ في إحجَامِها...                     تمزجُ فرط ال