. صَيْدُ الْفَوَائِد ( 1 )
للشاعر الدكتور ابراهيم الفايز
إجْعَلْ جِوارَكَ مَنْ صَفا لَكَ وِدُّهُ
وَرَفيقَ دَرْبِكَ فِي الْمَجَالِسِ يُنْدَبُ
وَعَلَيْكَ بالسَّهْلِ الْمُمَانِعِ طَبْعُهُ
عَمَّا يُشِينُ كَصَاحِبٍ لَكَ أَهْيَبُ
وَدَعْ الْكَبَائِرَ لا يَحِدُّكَ فِعْلُهَا
وَدَعْ الصَغائِرَ لا يُصِيبُكَ مَقْلَبُ
وَاعْلَمْ بَأَنَّكَ مِنْ جِهاتِكَ مُرْصَدٌ
وَمِنْ الْجِّهَاتِ عَلَيْكَ مَنْ هُوَ يَكْتُبُ
وَاعْرِفْ لُغاتِ الْقَوْمِ تَأْمَنُ شَرَّهُمْ
وَإِذَا عَرَفْتَ طِباعَهُمْ لَكَ مَكْسَبُ
وإذا أَغَاضَكَ جاهِلٌ في مَجْلِسٍ
وَأَرادَ مِنْكَ نَقيصَةً أَوْ تَغْضَبُ
فَاحْرِصْ بِأَنَّكَ تَحْتَوِيهِ وَقُلْ لَهُ
قَوْلاً يُرِيهُ بِأَنَّ رَدَّكَ أَطْيَبُ
كَيْ لا يُثِيرَكَ وَالْإثَارَةُ سُبَّةٌ
عِنْدَ الْحَليمِ فَلا يُصيبُكَ مَثْلَبُ
وَإِذَا جَعَلْتَ لِعَيْنِ مَاءٍ مَوْرِدَاً
لا تُلْقِها حَجَراً فَغَيْرُكَ يَشْرَبُ
وَامْلَأْ مَكانَكَ في الْمَجَالِسِ هَيْبَةً
وَاجْعَلْ كَلامَكَ في الْمَحافِلِ يَعْذُبُ
وَإِذَا حَكَمْتَ فَأَنْتَ أَمٌّ أَوْ أَبٌ
فَاعْدِلْ وّحاذِرْ أَنْ تَحِيدَكَ زَيْنَبُ
وَاجْعَلْ لِحُكْمِكَ ساعَةً بَعُدَ الْهَوَى
عَنْها ولا يُثْنيكَ مَنْ هُوَ يَغْضَبُ
وَاعْلَمْ فَعَدْلُكَ ساعَةً تَقْضي بِهَا
يُغْنيكَ عَنْ خَيْرٍ بِهِ تَتَقَرَّبُ
وإذا سَمِعْتَ وِشايَةً مِنْ مُخْبِرٍ
فَمِنْ الْعَدالَةِ أَنْ يُعِينَكَ مَطْلَبُ
وَاجْعَلْ لِمالِكَ مِنْ زَكاتِكَ مَوْرِداً
يَرْبُو وَإلّا مِنْ يَدَيْكَ سَيَهْرُبُ
وَاجْعَلْ طَعامَكَ مِنْ حَلالٍ طَيِّبٍ
وَطَعامَ أَهْلِكَ مِنْ طَعامِكَ أَطْيَبُ
وَاخْتَرْ شَرِيكَتَكَ الَّتي أَحْبَبْتَهَا
مِن مَنْبَتٍ زَاكٍ تجُودُ وَتُنْجِبُ
وَتَكُونُ مَدْرَسَةً وَبَيْتُكَ رَوْضَةً
وَبَنُوكَ مِنْ أَطْيَابِهَا يَتَطَيَّبُوا
وَاحْذَرْ مُجالَسَةَ اللَّئيمِ فَإنَّهُ
دَاءٌ وَفِي أَيَّامِهِ لَكَ عَقْرَبُ
وَاجْعَلْ سِهَامَكَ كُلَّمَا صَوَّبْتَهَا
بِالْحَقِّ تَعْدُو كَيْ يَهَابَكَ مِخْلَبُ
وَإذَا الْعَشِيرَةُ أَلْزَمَتْكَ زِمَامَهَا
فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لِلرِّيَادَةِ أَنْسَبُ
وَاجْعَلْ لِسَانَكَ لا يَعِيبُكَ إنَّ مَنْ
جَعَلَ الرِّيَادَةَ حَظَّهُ لا يَكْذِبُ
وَاجْعَلْ قَصِيدَتَكَ الَّتِي أَطْلَقْتَهَا
مِنْ وَمْضَةٍ قَدَحَتْ بِذِهْنِكَ تَلْهَبّ
وَاحْذِفْ زَوَائِدَهَا وَكُلَّ دَخِيلَةٍ
فِيهَا وَدَعْهَا مِنْ دِمَائِكَ تُكْتَبُ
هِيَ ظَبْيَةٌ حَسْنَاءُ أَنَّكَ طَرْفُهَا
دَعْهَا تَشِبُّ وَفِي مَدَارِكَ تَلْعَبُ
فَالشِّعْرُ يَنْطِقُ بِالْإشَارَةِ حَرْفُهُ
فَاجْعَلْ حُرُوفَكَ نَاطِقَاتٍ تَكْسِبُ
وَاكْرِمْ قَصِيدَتَكَ الَّتِي أَلْهَبْتَهَا
تَزْهُو وَمِنْكَ مَعِينُهَا لا يَنْضُبُ
وَاتْرُكْ بِهَا تَارِيخَ عَهْدِكَ نَاطِقًا
لِلْقَادِمِينَ وَمِنْ مَعِينِكَ يَشْرَبُوا
فَالشِّعْرُ إنْ نَطَقَتْ حُرُوفُكَ عِنْدَهُ
يُحْذِيكَ مِنْ آياتِهِ تَتَعَجَّبُ
وَإذَا مِدَادُكَ أَوْشَكَتْ لَمَسَاتُهُ
تَخْبُو فَمِنْ دَمِهِ يَرَاعُكَ يَكْتُب
وَإذَا زَمَانَكَ أَدْرَكَتْهُ دَنَاءَةٌ
صَابِرْ عَلَيْهِ فَلَا يُعِينُكَ مَهْرَبُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ كَالْمُسَافِرِ عَابِرٌ
تَكْبُو وَتَنْهَضُ لا يُجِيرُكَ مَرْكَبُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ في حَيَاةٍ مٍلْؤُهَا
زُورٌ وَإنَكَ في مَسَارِكَ أَحْدَبُ
وَاعْقِدْ لِقَلْبِكَ عِنْدَ رَبِّكَ مَوْثِقًا
تَنْجُو وَقُلْ يَارَبِّ إِنِّيَ مُذْنِبُ
هِمَمُ الرِّجَالِ كَنُطْفَةٍ تَتَعَقَّبُ
مِنْ ظَهْرِ آدَمَ صُلْبُهَا لا يَنْضَبُ
وَالطَّبْعُ مَوْرُوثٌ وَمِنْهُ تكَسُّبُ
فَاجْعَلْ طِباعَكَ جَوْهَراً لَكَ أَهْيَبُ
فَلَقَدْ وُلِدتَّ وَفِي طِباعِكَ فِطْرَةٌ
هيَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتي لَكَ أَنْسَبُ
خُذْهَا بِهَا تَسْمُو وَنَجْمُكَ يَرْتَقِي
وَبِهَا تُصَانُ وَلَا يَطُولُكَ مَثْلَبُ
هِيَ جَوْهَرٌ لَا تَعْتَرِيهِ شَوائِبٌ
فَإِذَا اعْتَرَتْهُ شَوَائِبٌ تَتَشَيَّبُ
لا يُغْرِيَنَّكَ فِي الْمَتاهَةِ حَاطِبٌ
أَبَداً وَلا يَلْوِي طَرِيقَكَ مَذْهَبُ
فَمِنْ الْكَلَامِ حَلَاوَةٌ وَطَرَاوَةٌ
وَمِنْ الْكَلَامِ عُذُوبَةٌ وَتَقَرُّبُ
وَمِنْ الْكَلَامِ إذا سَمِعْتَ هَدِيلَهُ
أَوْلَىٰ مِنْ الْلَّحْنِ الجَّمِيلِ وَأَطْرَبُ
وَمِنْ الْكَلَامِ إذَا أتاكَ تَدَلُّلاً
يُوحِي بِأَنَّكََ لِلحُشَاشَةِ أَقْرَبُ
وَمِنْ الْكََلامِ إذا أَتَىٰ لَكَ هَمْسُهُ
دَخَلَ الْفُؤادَ وَلا لِسَمْعِكَ يَقْرُبُ
وَمِنْ الْكَلَامِ إمَاءَةٌ وَإشَارَةٌ
وَمِنْ الْكَلَامِ تَوَافُقٌ وتَحَزُّبُ
وَسَلْ الْعُيُونَ إذا أتَتْكَ سِهَامُهَا
مَاذا تُريدُ وَأيَّ صَيْدٍ تَرْغَبُ
قَدْ تَصْدُقُ الْعَيْنُ الْكَلِيلَةُ مَا تَرَى
بِإشَارَةٍ مِنْ جِفْنِهَا تَتَقَلَّبُ
وَمِنْ الْكَلَامِ إذَا أتَاكَ حَسِبِْتَهُ
دُرًّا وَفِي ظَلْمَائِهِ لَكَ يَحْطِبُ
وَمِنْ الْكَلَامِ يَعِيبُ نَظْمَكَ حَشْوُهُ
وَمِنْ الْكَلامِ تَظَلُّمٌ وَتَرَقُّبُ
وَمِنْ الْكَلَامِ إذَا أَتَاكَ مُزَمْجِراً
كَالرَّعْدِ يُضْرَبُ بِالسِّيَاطِ فَيَغْضَبُ
وَمِنْ الْكَلامِ يُغيضُكَ لا مُتَعَمِّدًا
لكِنَّ سَمْعَكَ لا يُطِيقُ فَيَغْرُبُ
وَمِنْ البَلاغَةِ أَنْ تُعينَكَ جُمْلَةٌ
بِقَلِيلِ لَفْظٍ مَا تُرِيدُ وتَطْلُبُ
وَمِنْ البَيَانِ إذَا أَتَتْكَ إشارَةٌ
مِمَّنْ تُحِبُ فَهِمْتَ مَاذَا يَطْلُبُ
وَاجْعَلْ لِسَانَكَ في الْكَلَامِ كَحَامِلٍ
جَمْراً كَأَنَّكَ خائِفٌ تَتَرَقَّبُ
قُلْ لِي بِمَاذَا أَسْتَزِيدُكَ كَيْ تَرَى
إنَّ الكَلامَ كَحَدِّ سَيْفِكَ يَضْرِبُ
إنِّي عَرَضْتُ فَوَائِدِي لَكَ نَاصِحًا
إنْ كُنْتَ صَيَّادًا وَسَهْمُكَ يُعْرِبُ
خُذْهَا إلَيْكَ فَإنَّهُنَّ شَوَارِدٌ
نَطَقَتْ بِهِنَّ مَوَاقِدِي لَكَ أَهْيَبُ
.............................................………
( 1 ) هذه القصيدة تحمل عنوان
ديوان شعري العمودي الذي انتظر اكمال طبعه قريبًا إن شاء الله .
…………………………………………….
معاني الكلمات
…………………..
يُنْدَبُ : يُرَشَّحُ
يَحِدُّ : يُقَيِّدُ
مَثْلَب: مَعيب.
سُبَّةٌ : عار .
وَمْضَة : إشراقة.
دَخيل : كلمة أَجْنبيَّة أُدْخِلت في كلام العرب.
أَنَّ: يَئِنُّ : تَأَوَّهَ من شدّة المرض.
الطَّرْفُ: العَيْن.
يُحْذيكَ : يُعْطِيك.
اليَراعُ : القلم.
تَكْبُو : تَسْقُطُ أرضًا
النُّطْفَة : ماء الرجل وماء المرأة حين يجتمعان.
الصُّلْبُ : هو عِظام الظَّهْر بأكملها.
الفِطْرَة :الْخِلقة التي يكون عليها كل موجود أَوّلَ خَلْقِه.
دَناءَة : ذِلَّة وخَسَاسَة.
يُجيرُك : يَحميك .
مَثْلَبُ: عَيْبٌ ومنقصة.
العَيْنُ الكَليلَةُ: المُتْعَبة.
يَحْطِبُ : يجَمَعُ الحَطَبَ، و حاطب اللّيل من جمع الغَثَّ والسَّمين منه .
شيَّبَهُ الحُزْنُ: سبَّب له الشَّيبَ
هَديل : صَوْتُ الحَمام.
حُشَاشَة :بقيَّة الرُّوح في المريض.
الحَشْو ُمن الكلام : زيادة اللفظ على المعنى بلا فائدة .
يُعْرِبُ : يَكْشِفُ، يُعْلِنُ.
شَوَارِدُ: شَوَارِد اللُّغَةِ: نَوَادِر ُهَا وَغَرِيبُهَا
………………………………………………
تعليقات
إرسال تعليق